الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الشرح: قوله: (باب قبول الهدية) كذا لأبي ذر وهو تكرار بغير فائدة. وهذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة قبول هدية الصيد من العام بعد الخاص. ووقع عند النسفي " باب من قبل الهدية " وذكر فيه ستة أحاديث. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدَةُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ يَبْتَغُونَ بِهَا أَوْ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث عائشة " كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة " وسيأتي شرحه في الباب الذي بعده، وقوله فيه: " مرضاة " هو مصدر بمعنى الرضا، وقوله فيه: " يبتغون " بالموحدة والمعجمة من البغية، وروي " يتبعون " بتقديم مثناة مثقلة وكسر الموحدة وبالمهملة. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَهْدَتْ أُمُّ حُفَيْدٍ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَقِطِ وَالسَّمْنِ وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث ابن عباس " أهدت أم حفيد " وهي بالمهملة والفاء مصغر، وسيأتي الكلام عليه في الأطعمة في الكلام على الضب، وقوله فيه: " وترك الأضب " كذا لأبي ذر بصيغة الجمع ولغيره " الضب " والأضب بضم المعجمة جمع ضب مثل أكف وكف، قوله: " تقذرا " بالقاف والمعجمة تقول قذرت الشيء وتقذرته إذا كرهته. وقول ابن عباس " لو كان حراما ما أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم " استدلال صحيح من جهة التقرير. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مَعَهُمْ الشرح: حديث أبي هريرة في قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة، وقوله فيه: " إذا أتي بطعام " زاد أحمد وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد " من غير أهله". قوله: (ضرب بيده) أي شرع في الأكل مسرعا، ومثله ضرب في الأرض إذا أسرع السير فيها. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَقِيلَ تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ قَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ الشرح: قوله: (عن أنس) في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة عن قتادة " سمع أنس بن مالك". الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَأَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ وَخُيِّرَتْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ زَوْجُهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ قَالَ شُعْبَةُ سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ زَوْجِهَا قَالَ لَا أَدْرِي أَحُرٌّ أَمْ عَبْدٌ الشرح: حديث عائشة في قصة بريرة من طريق القاسم عن عائشة، وسيأتي شرحه في كتاب النكاح وقد مضى ما يتعلق بشراء بريرة في كتاب العتق قريبا، وشاهد الترجمة منه قوله: " هو لها صدقة ولنا هدية " فيؤخذ منه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين، ووقع في رواية أبي ذر الهروي " فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم ": هذا تصدق به على بريرة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لها صدقة ولنا هدية " ووقع لغير أبي ذر هنا " فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا تصدق به على بريرة؟ هو لها صدقة ولنا هدية " فجعل السؤال والجواب من كلامه صلى الله عليه وسلم، والأول أصوب وهو الثابت في غير هذه الرواية أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ لَا إِلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ إِلَيْهَا مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا الشرح: حديث أم عطية في الشاة من الصدقة وأنها بلغت محلها: قوله فيه (الذي بعثت إليها) كذا للأكثر بصيغة المخاطب، وللكشميهني " بعثت " بضم أوله على البناء للمجهول. قوله: (أنه قد بلغت) في رواية الكشميهني " إنها قد بلغت محلها " بكسر المهملة يقع على المكان والزمان، أي زال عنها حكم الصدقة المحرمة علي وصارت لي حلالا. (تنبيه) : أم عطية اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغرا كما تقدم في الكلام على هذا الحديث في أواخر الزكاة، ووقع عند الإسماعيلي من رواية وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله نسيبة بفتح النون ومن رواية يزيد بن زريع عن خالد الحذاء نسيبة بالتصغير وهو الصواب. ثم أخرجه من طريق ابن شهاب عن الحذاء عن أم عطية قالت: " بعثت إلي نسيبة الأنصارية بشاة فأرسلت إلى عائشة منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عندكم شيء؟ قالت: لا إلا ما أرسلت به نسيبة " الحديث. قال الإسماعيلي: هذا يدل على أن نسيبة غير أم عطية. قلت: سبب ذلك تحريف وقع في روايته في قوله: " بعث " والصواب " بعثت " على البناء للمجهول، وفيه نوع التجريد لأن أم عطية أخبرت عن نفسها بما يوهم أن الذي تخبر عنه غيرها، قال ابن بطال: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس، ولأن أخذ الصدقة منزلة ضعة، والأنبياء منزهون عن ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان كما وصفه الله تعالى: وهذا بخلاف الهدية فإن العادة جارية بالإثابة عليها، وكذلك كان شأنه. وقوله: " قد بلغت محلها " فيه أن الصدقة يجوز فيها تصرف الفقير الذي أعطيها بالبيع والهدية وغير ذلك، وفيه إشارة إلى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهن الصدقة كما حرمت عليه، لأن عائشة قبلت هدية بريرة وأم عطية مع علمها بأنها كانت صدقة عليهما، وظنت استمرار الحكم بذلك عليها ولهذا لم تقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم لعلمها أنه لا تحل له الصدقة، وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك الفهم ولكنه بين لها أن حكم الصدقة فيها قد تحول فحلت له صلى الله عليه وسلم أيضا، ويستنبط من هذه القصة جواز استرجاع صاحب الدين من الفقير ما أعطاه له من الزكاة بعينه وأن للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها ولو كان ينفق عليها منها، وهذا كله فيما لا شرط فيه. والله أعلم. (تنبيه) : استشكلت قصة عائشة في حديث أم عطية مع حديثها في قصة بريرة لأن شأنهما واحد، وقد أعلمها النبي صلى الله عليه وسلم في كل منهما بما حاصله أن الصدقة إذا قبضها من يحل له أخذها ثم تصرف فيها زال عنها حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه أن يتناول منها إذا أهديت له أو بيعت، فلو تقدمت إحدى القصتين على الأخرى لأغنى ذلك عن إعادة ذكر الحكم، ويبعد أن تقع القصتان دفعة واحدة. *3* الشرح: قوله: (باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض) يقال تحرى الشيء إذا قصده دون غيره. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمِي وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِنَّ صَوَاحِبِي اجْتَمَعْنَ فَذَكَرَتْ لَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهَا الشرح: قوله (حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يومي. وقالت أم مسلمة إن صواحبي اجتمعن، فذكرت له فأعرض عنها) هكذا أورده مختصرا جدا، وقد أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم والإسماعيلي من طريق محمد بن عبيد، زاد الإسماعيلي وخلف بن هشام كلاهما عن حماد بن زيد بهذا الإسناد بلفظ " كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة فقلن لها: خبري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قال فأعرض عني، قالت: فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني " الحديث: وقد أخرجه المصنف في مناقب عائشة عن عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد بن زيد فقال: " عن هشام عن أبيه كان الناس يتحرون " فذكره بتمامه مرسلا، وروى ابن سعد في طبقات النساء من حديث أم سلمة قالت: " كان الأنصار يكثرون الطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وعمارة بن حزم وأبو أيوب، وذلك لقرب جوارهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم". الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ وَالْحِزْبُ الْآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا فَكَلِّمِيهِ قَالَتْ فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَالَتْ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ يَا بُنَيَّةُ أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ قَالَتْ بَلَى فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ فَقُلْنَ ارْجِعِي إِلَيْهِ فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ وَقَالَتْ إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَكَلَّمُ قَالَ فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا قَالَتْ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَائِشَةَ وَقَالَ إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ قِصَّةُ فَاطِمَةَ يُذْكَرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَجُلٍ مِنَ المَوَالِي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَتْ عَائِشَةُ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْ فَاطِمَةُ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (حدثني أخي) هو أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) هو ابن بلال. وقد تابع البخاري حميد بن زنجويه عند أبي نعيم وإسماعيل القاضي عند أبي عوانة فروياه عن إسماعيل بن أبي أويس كما قال، وخالفهم محمد بن يحيى الذهلي فرواه عن إسماعيل " حدثني سليمان بن بلال " حذف الواسطة بين إسماعيل وسليمان وهو أخو إسماعيل. قوله: (عن هشام بن عروة) زاد فيه على رواية حماد بن زيد في آخره: " فقالت - أي أم سلمة - أتوب إلى الله من ذلك يا رسول الله " وزاد فيه أيضا إرسالهن فاطمة ثم إرسالهن زينب بنت جحش، وقد تصرف الرواة في هذا الحديث بالزيادة والنقص، ومنهم من جعله ثلاثة أحاديث. قال البخاري " الكلام الأخير قصة فاطمة - أي إرسال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه - يذكر عن هشام بن عروة عن رجل عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن " يعني أنه اختلف فيه على هشام بن عروة فرواه سليمان بن بلال عنه عن أبيه عن عائشة في جملة الحديث الأول، ورواه عنه غيره بهذا الإسناد الأخير. قوله: (والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بقيتهن، وهي زينب بنت جحش الأسدية وأم حبيبة الأموية وجويرية بنت الحارث الخزاعية وميمونة بنت الحارث الهلالية دون زينب بنت خزيمة أم المساكين. رواه ابن سعد من طريق رميثة المذكورة وهي رميثة بالمثلثة مصغرة عن أم سلمة قالت: " كلمني صواحبي وهن - فذكرتهن - وكنا في الجانب الثاني وكانت عائشة وصواحبها في الجانب الآخر، فقلن كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الناس يهدون إليه في بيت عائشة ونحن نحب ما تحب " الحديث قال ابن سعد: ماتت زينب بنت خزيمة قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، وأسكن أم سلمة بيتها لما دخل بها. قوله: (فقلن لها كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس) بالجزم والميم مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز الرفع. قوله: (فليهدها) في رواية الكشميهني " فليهد " بحذف الضمير. قوله: (فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة) يأتي شرحه في مناقب عائشة إن شاء الله تعالى. قوله: (ثم إنهن دعون فاطمة) في رواية الكشميهني " دعين " وروى ابن سعد من مرسل علي بن الحسين أن التي خاطبتها بذلك منهن زينب بنت جحش، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سألها " أرسلتك زينب؟ قالت: زينب وغيرها، قال: أهي التي وليت ذلك؟ قالت: نعم". قوله: (إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر) أي يطلبن منك العدل. وفي رواية الأصيلي " يناشدنك الله العدل " أي يسألنك بالله العدل، والمراد به التسوية بينهن في كل شيء من المحبة وغيرها، زاد في رواية محمد بن عبد الرحمن عن عائشة عند مسلم " أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت ابن أبي قحافة " وأبو قحافة هو والد أبي بكر. قوله: (فقال: يا بنية ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى) زاد مسلم في الرواية المذكورة " قال: فأحبي هذه، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك". قوله: (فرجعت إليهن فأخبرتهن) زاد مسلم " فقلت لها ما نراك أغنيت عنا من شيء". قوله: (فأبت أن ترجع) في رواية مسلم " فقالت: والله لا أكلمه فيها أبدا". قوله: (فأرسلن زينب بنت جحش) زاد مسلم " وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه ثناء عائشة عليها بالصدقة وذكرها لها بالحدة التي تسرع منها الرجعة. قوله: (فأتته) في مرسل علي بن الحسين " فذهبت زينب حتى استأذنت، فقال: ائذنوا لها. فقالت: حسبك إذا برقت لك بنت ابن أبي قحافة ذراعيها " وفي رواية مسلم " ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحال التي دخلت فاطمة وهو بها". قوله: (فأغلظت) في رواية مسلم " ثم وقعت بي فاستطالت " وفي مرسل علي بن الحسين " فوقعت بعائشة ونالت منها". قوله: (فسبتها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم) في رواية مسلم " وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها. قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر " وفي هذا جواز العمل بما يفهم من القرائن، لكن روى النسائي وابن ماجه مختصرا من طريق عبد الله البهي عن عروة عن عائشة قالت: " دخلت على زينب بنت جحش فسبتني، فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت، فقال سبيها، فسببتها حتى جف ريقها في فمها " وقد ذكرته في " باب انتصار الظالم " من كتاب المظالم فيمكن أن يحمل على التعدد. قوله: (فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها) في رواية لمسلم " فلما وقعت بها لم أنشبها أن أثخنتها غلبة " ولابن سعد " فلم أنشبها أن أفحمتها". قوله: (فقال: إنها بنت أبي بكر) أي إنها شريفة عاقلة عارفة كأبيها، وكذا في رواية مسلم. وفي رواية النسائي المذكورة " فرأيت وجهه يتهلل " وكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن أبا بكر كان عالما بمناقب مضر ومثالبها فلا يستغرب من بنته تلقي ذلك عنه " ومن يشابه أبه فما ظلم". وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة، وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف، وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة، كذا قرره ابن بطال عن المهلب، وتعقبه ابن المنير بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك، وإنما لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض لطلب الهدية، وأيضا فالذي يهدي لأجل عائشة كأنه ملك الهدية بشرط، والتمليك يتبع فيه تحجير المالك، مع أن الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يشركهن في ذلك، وإنما وقعت المنافسة لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة. وفيه قصد الناس بالهدايا أوقات المسرة ومواضعها ليزيد ذلك في سرور المهدي إليه. وفيه تنافس الضرائر وتغايرهن على الرجل، وأن الرجل يسعه السكوت إذا تقاولن، ولا يميل مع بعض على بعض. وفيه جواز التشكي والتوسل في ذلك، وما كان عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من مهابته والحياء منه حتى راسلنه بأعز الناس عنده فاطمة. وفيه سرعة فهمهن ورجوعهن إلى الحق والوقوف عنده. وفيه إدلال زينب بنت جحش على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت بنت عمته، كانت أمها أميمة بالتصغير بنت عبد المطلب. قال الداودي: وفيه عذر النبي صلى الله عليه وسلم لزينب، قال ابن التين: ولا أدري من أين أخذه. قلت: كأنه أخذه من مخاطبتها النبي صلى الله عليه وسلم لطلب العدل مع علمها بأنه أعدل الناس، لكن غلبت عليها الغيرة فلم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق ذلك، وإنما خص زينب بالذكر لأن فاطمة عليها السلام كانت حاملة رسالة خاصة، بخلاف زينب فإنها شريكتهن في ذلك بل رأسهن، لأنها هي التي تولت إرسال فاطمة أولا ثم سارت بنفسها. واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه، وسيأتي البحث في ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: (وقال أبو مروان الغساني) كذا للأكثر بغين معجمة وسين مهملة ثقيلة، ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد فيه تغيير فغيره " العثماني " حكاه أبو علي الجياني وقال إنه خطأ، وقد تقدمت لأبي مروان هذا رواية موصولة في كتاب الحج، ووقع للقابسي فيه تصحيف غير هذا. وقوله: " وقال أبو مروان إلخ " يعني أن أبا مروان فصل بين الحديثين في روايته عن هشام فجعل الأول - وهو التحري - كما قال حماد بن زيد عن هشام، وجعل الثاني - وهو قصة فاطمة - عن هشام عن رجل من قريش ورجل من الموالي عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة. قلت: وطريق محمد بن عبد الرحمن عن عائشة بهذه القصة مشهورة من غير هذا الوجه، أخرجها مسلم والنسائي من طريق صالح بن كيسان، زاد مسلم " ويونس"، وزاد النسائي " وشعيب بن أبي حمزة " ثلاثتهم عن الزهري عنه، وهكذا قال موسى بن أعين عن معمر عن الزهري، وخالفه عبد الرزاق فقال: " عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة " وخالفهم إسحاق الكلبي فجعل أبا بكر بن عبد الرحمن بدل محمد بن الرحمن، قال الذهلي والدار قطني وغيرهما: المحفوظ من حديث الزهري " عن محمد بن عبد الرحمن عن عائشة " وأبو مروان هذا هو يحيى بن أبي زكريا الغساني، وهو شامي نزل واسط، واسم أبي زكريا يحيى أيضا، ووهم من زعم أنه محمد بن عثمان العثماني فإنه وإن كان يكنى أبا مروان لكنه لم يدرك هشام بن عروة وإنما يروي عنه بواسطة، وطريقه هذه وصلها الذهلي في " الزهريات". وقد اختلف على هشام فيه اختلافا آخر فرواه حماد بن سلمة عنه " عن عوف بن الحارث عن أخته رميثة عن أم سلمة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم قلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة " الحديث أخرجه أحمد، ويحتمل أن يكون لهشام فيه طريقان، فإن عبدة بن سليمان رواه عنه بالوجهين، أخرجه الشيخان من طريقه بالإسناد الأول كما مضى في الباب الذي قبله، وأخرجه النسائي من طريقه متابعا لحماد بن سلمة، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب ما لا يرد من الهدية) كأنه أشار إلى ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعا " ثلاث لا ترد: الوسائد والدهن واللبن " قال الترمذي: يعني بالدهن الطيب، وإسناده حسن إلا أنه ليس على شرط البخاري فأشار إليه واكتفى بحديث أنس " أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب " قال ابن بطال: إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه. قلت: لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه، وليس كذلك فإن أنسا اقتدى به في ذلك. وقد ورد النهي عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا " من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف الحمل طيب الرائحة " وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن قال: " ريحان " بدل طيب، ورواية الجماعة أثبت، فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد الله بن يزيد المقبري عن سعيد بن أبي أيوب بلفظ " الطيب " ووافقه ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر: " وفي الباب عن أبي هريرة " فأشار إلى هذا الحديث. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَنَاوَلَنِي طِيبًا قَالَ كَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ قَالَ وَزَعَمَ أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ الشرح: قوله: (عزرة) هو بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء. قوله: (حدثني ثمامة بن عبد الله قال: دخلت عليه فناولني طيبا قال: كان أنس لا يرد الطيب) فاعل قال هو عزرة والضمير لثمامة، وزعم بعض الشراح أن الضمير لأنس، وليس كذلك فقد أخرجه أبو نعيم من طريق بشر بن معاذ عن عبد الوارث عن عزرة بن ثابت قال: " دخلت على ثمامة فناولني طيبا، قلت قد تطيبت، فقال: كان أنس لا يرد الطيب". قوله: (وزعم) أي قال، والزعم يطلق على القول كثيرا. *3* الشرح: قوله: (باب من رأى الهبة الغائبة جائزة) ذكر فيه طرفا من حديث المسور ومروان في قصة هوازن، ومراده منه قوله صلى الله عليه وسلم: " وإني رأيت أن أرد عليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل " فإن في بقية الحديث " طيبنا لك " وقد تقدم قريبا في العتق في " باب من ملك من العرب رقيقا " بأتم من هذا بهذا الإسناد بعينه، ففيه أنهم وهبوا ما غنموه من السبي من قبل أن يقسم وذلك في معنى الغائب، وحذف في هذه الطريق جواب الشرط من الجملة الثانية وهي " فليفعل " وقد ثبت كذلك في الباب الذي أشرت إليه، قال ابن بطال: فيه أن للسلطان أن يرفع أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحة واستئلاف، وتعقبه ابن المنير وقال: ليس كما قال، بل في نفس الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا بعد تطييب نفوس المالكين. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَرْوَانَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ قَامَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا لَكَ الشرح: قوله: (باب من رأى الهبة الغائبة جائزة) ذكر فيه طرفا من حديث المسور ومروان في قصة هوازن، ومراده منه قوله صلى الله عليه وسلم: " وإني رأيت أن أرد عليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل " فإن في بقية الحديث " طيبنا لك " وقد تقدم قريبا في العتق في " باب من ملك من العرب رقيقا " بأتم من هذا بهذا الإسناد بعينه، ففيه أنهم وهبوا ما غنموه من السبي من قبل أن يقسم وذلك في معنى الغائب، وحذف في هذه الطريق جواب الشرط من الجملة الثانية وهي " فليفعل " وقد ثبت كذلك في الباب الذي أشرت إليه، قال ابن بطال: فيه أن للسلطان أن يرفع أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحة واستئلاف، وتعقبه ابن المنير وقال: ليس كما قال، بل في نفس الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا بعد تطييب نفوس المالكين. *3* الشرح: قوله: (باب المكافأة في الهبة) المكافأة بالهمز مفاعلة بمعنى المقابلة، والمراد بالهبة هنا المعنى الأعم كما قررته في أول كتاب الهبة. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا لَمْ يَذْكُرْ وَكِيعٌ وَمُحَاضِرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ الشرح: قوله: (عن هشام) في رواية الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى الفراء عن عيسى بن يونس " حدثنا هشام". قوله: (يقبل الهدية ويثيب عليها) أي يعطي الذي يهدي له بدلها، والمراد بالثواب المجازاة وأقله ما يساوي قيمة الهدية. قوله: (لم يذكر وكيع ومحاضر: عن هشام عن أبيه عن عائشة) فيه إشارة إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام، وقد قال الترمذي والبزار: لا نعرفه موصولا إلا من حديث عيسى بن يونس. وقال الآجري سألت أبا داود عنه فقال: تفرد بوصله عيسى بن يونس، وهو عند الناس مرسل. ورواية وكيع وصلها ابن أبي شيبة عنه بلفظ " ويثيب ما هو خير منها " ورواية محاضر لم أقف عليها بعد. واستدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب الثواب على الهدية إذا أطلق الواهب وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني، بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى، ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم، ومن حيث المعنى أن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدى فلا أقل أن يعوض بنظير هديته، وبه قال الشافعي في القديم. وقال في الجديد كالحنفية: الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع بثمن مجهول، ولأن موضوع الهبة التبرع فلو أبطلناه لكان في معنى المعاوضة، وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة، فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة. وأجاب بعض المالكية بأن الهبة لو لم تقتض الثواب أصلا لكانت بمعنى الصدقة، وليس كذلك فإن الأغلب من حال الذي يهدي أنه يطلب الثواب ولا سيما إذا كان فقيرا، والله أعلم. *3* وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَتَعَدَّى وَاشْتَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ الشرح: قوله: (باب الهبة للولد، وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله) في رواية الكشميهني " ويعطي الآخرين". قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعدلوا بين أولادكم في العطية) سيأتي موصولا في الباب الذي بعده بدون قوله: " في العطية " وهي بالمعنى. وقد أخرجه الطحاوي من طريق مغيرة عن الشعبي عن النعمان فذكر هذه الزيادة ولفظه " سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر " ويأتي حديث ابن عباس أيضا في أواخر الباب. قوله: (وهل للوالد أن يرجع في عطيته) يعني لولده (وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى) اشتملت هذه الترجمة على أربعة أحكام: الأول الهبة للولد، وإنما ترجم به ليرفع إشكال من يأخذ بظاهر الحديث المشهور " أنت ومالك لأبيك " لأن مال الولد إذا كان لأبيه فلو وهب الأب ولده شيئا كان كأنه وهب نفسه، ففي الترجمة إشارة إلى ضعف الحديث المذكور أو إلى تأويله، وهو حديث أخرجه ابن ماجه من حديث جابر، قال الدار قطني: غريب تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن ابن المنكدر. وقال ابن القطان: إسناده صحيح. وقال المنذري: رجاله ثقات. وله طريق أخرى عن جابر عند الطبراني في " الصغير " والبيهقي في " الدلائل " فيها قصة مطولة. وفي الباب عن عائشة في " صحيح ابن حبان " وعن سمرة وعن عمر كلاهما عند البزار، وعن ابن مسعود عند الطبراني، وعن ابن عمر عند أبي يعلى، فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة، وجواز الاحتجاج به، فتعين تأويله. الحكم الثاني العدل بين الأولاد في الهبة، وهي من مسائل الخلاف كما سيأتي. وحديث الباب عن النعمان حجة من أوجبه. الثالث رجوع الوالد فيما وهب للولد، وهي خلافية أيضا، ومنهم من فرق بين الصدقة والهبة فلا يرجع في الصدقة لأنه يراد بها ثواب الآخرة، وحديث الباب ظاهر في الجواز كما سيأتي أيضا، وكأنه أشار إلى حديث " لا يحل لرجل يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده " أخرجه أبو داود وابن ماجه بهذا اللفظ من حديث ابن عباس وابن عمر ورجاله ثقات. الرابع أكل الوالد من مال الولد بالمعروف، قال ابن المنير: وفي انتزاعه من حديث الباب خفاء، ووجهه أنه لما جاز للأب بالاتفاق أن يأكل من مال ولده إذا احتاج إليه فلأن يسترجع ما وهبه له بطريق الأولى. قوله: (واشترى النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بعيرا ثم أعطاه ابن عمر وقال: اصنع به ما شئت) هو طرف من حديث تقدم موصولا في البيوع. ويأتي أيضا موصولا بعد اثني عشر بابا، قال ابن بطال: مناسبة حديث ابن عمر للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم لو سأل عمر أن يهب البعير لابنه عبد الله لبادر إلى ذلك، لكنه لو فعل لم يكن عدلا بين بني عمر، فلذلك اشتراه صلى الله عليه وسلم منه ثم وهبه لعبد الله. قال المهلب: وفي ذلك دلالة على أنه لا تلزم المعدلة فيما يهبه غير الأب لولد غيره وهو كما قال. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْهُ الشرح: قوله: (عن النعمان بن بشير) كذا لأكثر أصحاب الزهري، وأخرجه النسائي من طريق الأوزاعي عن ابن شهاب " أن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن حدثاه عن بشير بن سعد " جعله من مسند بشير فشذ بذلك، والمحفوظ أنه عنهما عن النعمان، وبشير والد النعمان هو ابن سعد بن ثعلبة بن الجلاس - بضم الجيم وتخفيف اللام - الخزرجي، صحابي شهير من أهل بدر وشهد غيرها، ومات في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة، ويقال إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار، وقيل عاش إلى خلافة عمر. وقد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين، منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود، وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي، والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي، وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد، وعون بن عبد الله عند أبي عوانة، والشعبي في الصحيحين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم، ورواه عن الشعبي عدد كثير أيضا، وسأذكر ما في رواياتهم من الفوائد الزائدة على هذه الطريق مفصلا إن شاء الله تعالى. قوله: (أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الشعبي في الباب الذي يليه " أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية " وسيأتي في الشهادات من طريق أبي حبان عن الشعبي سبب سؤالها شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه " عن النعمان قال: سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله " زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه " فالتوى بها سنة " أي مطلها. وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه " بعد حولين " ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغى أخرى، قال: " ثم بدا له فوهبها لي، فقالت له: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال فأخذ بيدي وأنا غلام " ولمسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن النعمان " انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشى معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه، أو عبر عن استتباعه إياه بالحمل، وقد تبين من رواية الباب أن العطية كانت غلاما، وكذا في رواية ابن حبان المذكورة، وكذا لأبي داود من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي، ولمسلم في رواية عروة وحديث جابر معا، ووقع في رواية أبي حريز بمهملة وراء ثم زاي بوزن عظيم عند ابن حبان والطبراني عن الشعبي " أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام، وإني سميته النعمان، وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي وأنها قالت: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا أشهد على جور " وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين إحداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة، والأخرى بعد أن برك النعمان وكانت العطية عبدا، وهو جمع لا بأس به، إلا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى " لا أشهد على جور " وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم. وقال غيره: يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه، أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد. ثم ظهر لي وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جواب وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له شيئا يخصه به وهبه الحديقة المذكورة تطييبا لخاطرها، ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه أحد غيره، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك، إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وأن تأمن من رجوعه فيها، ويكون مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم للإشهاد مرة واحدة وهي الأخيرة، وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض، أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة ويقص بعضها أخرى، فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه، والله أعلم. وعمرة المذكورة هي بنت رواحة بن ثعلبة الخزرجية أخت عبد الله بن رواحة الصحابي المشهور. ووقع عند أبي عوانة من طريق عون بن عبد الله أنها بنت عبد الله بن رواحة والصحيح الأول، وبذلك ذكرها ابن سعد وغيره وقالوا: كانت ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم من النساء، وفيها يقول قيس بن الخطيم بفتح المعجمة: وعمرة من سروات النساء تنفح بالمسك أردانها قوله: (إني نحلت) بفتح النون والمهملة، والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض. قوله: (فقال أكل ولدك نحلت) زاد في رواية أبي حيان (فقال ألك ولد سواه؟ قال نعم " وقال مسلم لما رواه من طريق الزهري أما يونس ومعمر فقالا: " أكل بنيك " وأما الليث وابن عيينة فقالا: " أكل ولدك". قلت: ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورا، أو إناثا وذكورا، وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب؛ ولم يذكر ابن مسعد لبشير والد النعمان ولدا غير النعمان، وذكر له بنتا اسمها أبية بالموحدة تصغير أبي. قوله: (نحلت مثله) في رواية أبي حيان عند مسلم " فقال أكلهم وهبت له هذا، قال: لا " وله من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي " فقال ألك بنون سواه؟ قال: نعم. قال: فكلهم أعطيت مثل هذا؟ قال: لا " وفي رواية ابن القاسم في " الموطآت للدار قطني " عن مالك " قال لا والله يا رسول الله". قوله: (قال فارجعه) ولمسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال فاردده وله وللنسائي من طريق عروة مثله. وفي رواية الشعبي في الباب الذي يليه قال فرجع فرد عطيته ولمسلم فرد تلك الصدقة زاد في رواية أبي حيان في الشهادات " قال: لا تشهدني على جور " ومثله لمسلم من رواية عاصم عن الشعبي. وفي رواية أبي حريز المذكورة " لا أشهد على جور " وقد علق منها البخاري هذا القدر في الشهادات، ومثله لمسلم من طريق إسماعيل عن الشعبي، وله في رواية أبي حيان " فقال: فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور " وله في رواية المغيرة عن الشعبي " فإني لا أشهد على جور، ليشهد على هذا غيري " وله وللنسائي في رواية داود بن أبي هند قال: " فأشهد على هذا غيري " وفي حديث جابر " فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق " ولعبد الرزاق من طريق طاوس مرسلا " لا أشهد إلا على الحق، لا أشهد بهذه " وفي رواية عروة عند النسائي " فكره أن يشهد له " وفي رواية المغيرة عن الشعبي عند مسلم " اعدلوا بين أولادكم في النحل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر " وفي رواية مجالد عن الشعبي عند أحمد " إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذا " ولأبي داود من هذا الوجه " إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك"، وللنسائي من طريق أبي الضحى " ألا سويت بينهم " وله ولابن حبان من هذا الوجه " سو بينهم " واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد، وقد تمسك به من أوجب السوية في عطية الأولاد، وبه صرح البخاري، وهو قول طاوس والثوري وأحمد إسحاق. وقال به بعض المالكية. ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة. وعن أحمد تصح، ويجب أن يرجع. وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب، كأن يحتاج الولد لزمانته ودينه أو نحو ذلك دون الباقين. وقال أبو يوسف: تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار. وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة، فإن فضل بعضا صح وكره. واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع، فحملوا الأمر على الندب والنهي على التنزيه. ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة الواجب لأن قطع الرحم والعقوق محرمان فما يؤدي إليهما يكون محرما والتفضيل مما يؤدي إليهما. ثم اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية. العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث، واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه الواهب في يده حتى مات. وقال غيرهم: لا فرق بين الذكر والأنثى. وظاهر الأمر بالتسوية يشهد له. واستأنسوا بحديث ابن عباس رفعه " سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء " أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن. وأجاب من حمل الأمر بالتسوية على الندب عن حديث النعمان بأجوبة: أحدها أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده ولذلك منعه، فليس فيه حجة على منع التفضيل حكاه ابن عبد البر عن مالك. وتعقبه بأن كثيرا من طرق حديث النعمان صرح بالبعضية. وقال القرطبي: ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون، وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الأم الهبة من بعض ماله، قال: وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره. ثانيها أن العطية المذكورة لم تتنجز، وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا تفعل، فترك. حكاه الطحاوي. وفي أكثر طرق حديث الباب ما ينابذه. ثالثها أن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع، ذكره الطحاوي، وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضا خصوصا قوله: " ارجعه " فإنه يدل على تقدم وقوع القبض، والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره، فأمر برد العطية المذكورة بعدما كانت في حكم المقبوض. رابعها أن قوله: " ارجعه " دليل على الصحة، ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع، وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به، وفي الاحتجاج بذلك نظر، والذي يظهر أن معنى قوله: " ارجعه " أي لا تمض الهبة المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة. خامسها أن قوله: " أشهد على هذا غيري " إذن بالإشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم، حكاه الطحاوي أيضا، وارتضاه ابن القصار. وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه، وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نوابه جاز، وأما قوله إن قوله: " أشهد " صيغة إذن فليس كذلك، بل هو للتوبيخ لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث، وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع. وقال ابن حبان: قوله: " أشهد " صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهو كقوله لعائشة: " اشترطي لهم الولاء " انتهى. سادسها التمسك بقوله: " ألا سويت بينهم " على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه، وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة، ولا سيما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة الأمر أيضا حيث قال: " سو بينهم". سابعها: وقع عند مسلم عن ابن سيرين ما يدل على أن المحفوظ في حديث النعمان " قاربوا بين أولادكم " لا " سووا " وتعقب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما لا يوجبون التسوية. ثامنها: في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة تدل على أن الأمر للندب، لكن إطلاق الجور على عدم التسوية، والمفهوم من قوله: " لا أشهد إلا على حق " وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه " قال فلا إذا". تاسعها: عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب، فأما أبو بكر فرواه الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته " إني كنت نحلتك نحلا فلو كنت اخترتيه لكان لك، وإنما هو اليوم للوارث " وأما عمر فذكره الطحاوي وغيره أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده، وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين بذلك، ويجاب بمثل ذلك عن قصة عمر. عاشر الأجوبة أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم، ذكره ابن عبد البر، ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص، وزعم بعضهم أن معنى قوله: " لا أشهد على جور " أي لا أشهد على ميل الأب لبعض الأولاد دون بعض، وفي هذا نظر لا يخفى، ويرده قوله في الرواية " لا أشهد إلا على الحق " وحكى ابن التين عن الداودي أن بعض المالكية احتج بالإجماع على خلاف ظاهر حديث النعمان، ثم رده عليه. واستدل به أيضا على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه وكذلك الأم، وهو قول أكثر الفقهاء، إلا أن المالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إن كان الأب حيا دون ما إذا مات، وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو ينكح، وبذلك قال إسحاق. وقال الشافعي: للأب الرجوع مطلقا. وقال أحمد: لا يحل لواهب أن يرجع في هبته مطلقا. وقال الكوفيون: إن كان الموهوب صغيرا لم يكن للأب الرجوع، وكذا إن كان كبيرا وقبضها، قالوا وإن كانت الهبة لزوج من زوجته أو بالعكس أو لذي رحم لم يجز الرجوع في شيء من ذلك، ووافقهم إسحاق في ذي الرحم وقال: للزوجة أن ترجع بخلاف الزوج، والاحتجاج لكل واحد من ذلك يطول، وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وماله لأبيه فليس في الحقيقة رجوعا، وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب، ونحو ذلك، سيأتي الكلام على هبة الزوجين في الباب بعده. وفي الحديث أيضا الندب إلى التآلف بين الإخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء أو يورث العقوق للآباء، وأن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا تحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض. وقيل إن كانت الهبة ذهبا أو فضة فلا بد من عزلها وإفرازها. وفيه كراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح وأن الإشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب. وفيه جواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات دون بعض وإن وجبت التسوية بينهم في غير ذلك. وفيه أن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة، وتظهر فائدتها إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه، أو يؤديها عند بعض نوابه. وفيه مشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال، لقوله: " ألك ولد غيره " فلما قال: " نعما " قال: " أفكلهم أعطيت مثله " فلما قال: " لا " قال: " لا أشهد " فيفهم منه أنه لو قال نعم لشهد. وفيه جواز تسمية الهبة صدقة، وأن للإمام كلاما في مصلحة الولد، والمبادرة إلى قبول الحق، وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله في كل حال. وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع، لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده لما رجع فيه، فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه. وقال المهلب: فيه أن للإمام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه هروبا عن بعض الورثة، والله أعلم. *3* الحديث: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ الشرح: (لا يوجد شرح لهذا الحديث) .
|